بقلم/ فالح الشبلي
ثقةٌ إلّا أنهُ يُرسلُ عمّن لم يُدرِكهُ.
قال الذهبيُّ: امامٌ شهيٌر، من علماءِ التّابعينَ، ثقةٌ في نفسهِ، إلّا أنهُ يُدلّسُ عمّن لحِقَهم وعمّن لم يلحقهُم، وكان له صحفٌ يحدِّث منها ويدلّسُ. [ ميزان الأعتدال: ت/4339].
قلتُ: وقولُ الإمامِ الذهبيِّ: ( يُدلّسُ …. ) تفردَ بهِ عمّن سِواهُ، وَقدْ يَكونُ تَبِعهُ على ذلكَ الحافظُ ابنُ حجرٍ، ولهذا ذَكَرهُ في المرتبةِ الأولى عِندهُ في كتابهِ ( تعريفِ أهلِ التّقديس ) وهذه المرتبةُ تعدُّ عندهُ من أخفِّ مراتبِ التّدليسِ وأهونها، وهي في الرّاوي الذي لا يدلّسُ إلّا نادراً، وقد يكونُ معناها عندَ قائِلِها الإمامِ الذهبيِّ الإرسالَ في بعضِ الأحيان، وذلك لما وقفت عليه من خلالِ بحثي عمّا يدلُّ أو يقربُ إلى معنى هذهِ الكلمةِ عندهُ ، وذلكَ لعدةِ قرائنَ، مِنها.
1 ـ قال أبو حاتم الرازي: لا يُعرفُ لهُ تدليسٌ. [ الجرح والتعديل: 5/58 ـ ت/268]. فقالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ معلقاً على ما قالهُ أبو حاتم: وهذا مما يُقوّي مَن ذَهَبَ إلى اشتراطِ اللّقاءِ في التّدليسِ لا الإكتفاء بالمعاصرةِ. [ تهذيب التهذيب: 5/197]، والمقصودُ توضيحُ الفرقِ في المنهجِ، بين مذهبِ منْ يرى أنَّ التّدليسَ يُشترطُ فيهِ اللّقاءُ بينَ الرّاوي والمرويّ عنهُ ….، وبينَ المذهبِ الآخرِ.
قلتُ: ولا شكَّ أنّه ما قالها ابو حاتم، إلّا ثقةً بهذا التَّابعيِ الجَليلِ بإتقانِهِ وبُعدِهِ عنِ التّدليسِ.
2 ـ قالَ الذّهبيُّ في مكحولِ الشّامي: هوَ صاحبُ تدليسٍ. [ ميزان الأعتدال: ت/8749].
قالَ العراقيُّ معقِّباً على ما قاله الذهبيُ: ذكرهُ الذهبيُّ بالتّدليسِ وهوَ مشهورٌ بالإرسالِ عنْ جماعةٍ لمْ يَلْقَهُمْ. [ المدلسين: ت/64].
قلتُ: وهذهِ التفاتةٌ جيدةٌ وبيانٌ من لدنِ الحافظِ العراقيِّ، لما قالهُ الإمامُ الذهبيُّ رحمهُ اللهُ، وهوَ توضيحٌ منهُ مهمٌ، بأنَّ البعضَ منَ المتقدِّمينَ يُطلقُ كلمةَ التَّدليسِ على الإرسالِ، ولا أميّزُ في بَحثي هذا بينَ منْ يقصدُ الإرسالَ المطلقَ أوِ الخفيَ، واللهُ الموفّقُ.
3 ـ قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ: جُبيرُ بنُ نفيرٍ الخضرميُّ، منْ ثِقاتِ التّابعينَ منْ أهلِ الشَّامِ، قالَ الذّهبيُ في طبقاتِ الحفّاظِ: ربّما دَلّسَ عنْ كبارِ الصّحابةِ. [ طبقات المدلسين: ت/39].
قلتُ: أيْ أرسَلَ، واللهُ أعلمُ، وهذا بيانٌ آخرُ منَ الحافظِ ابنِ حجرٍ يوضّحُ لنا أيضاً أساساً، أنّ الذّهبيَ عندهُ التّدليس في بعضِ الأحيانِ هوَ الإرسال، ثمّ أنهُ قدْ ثَبتَ حِفظُ الشّيخينِ لنا ما عَنعنَ بهِ المُدلّسون، فهُما لمْ يودِعا في صَحيحيهِما إلّا ما وقَفا عليهِ مُصرَّحاً بالتّحديثِ في سنده من طرق أخرى، انظر بحثي في ترجمة قتادة بن دعامة، في كتابي طرق حديث طلب العلم فريضة ….
4 ـ سعيد بن المسيب روى عن عمر، وقد تُكُلِّمَ في سماعه منه، ومع هذا لم يصفه أهل العلم بالتدليس …. ، وهذا رَدٌّ على الفقرة الثالثة فيما تقدم، وهو قول الذهبي في جبير بن نفير المتقدم.
5 ـ قال العجلي، في الحجاج بن أرطاة: …. إِلا أنه صاحب إرسال، وَكَانَ يرسل عَنْ يَحْيَى بْن أَبِي كثير وَلم يسمع منه شيئا، وَيُرسلُ عَنْ مكحول وَلم يسمعْ منهُ شيئاً، وَيُرسِلُ عَنْ مجاهدَ وَلم يسمعْ منهُ شيئاً، وَيُرسلُ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلم يسمعْ منهُ شَيئاً، فإنّما يَعيبُ النّاسُ منهُ التّدليسَ. [ ثقاته: ت/264]، [ تاريخ بغداد: 8/ 234].
قلتُ: ويعني هذا فيمنْ أدرَكَهُ ولمْ يسمعْ مِنهُ.
وأيوبُ بنُ أبي تميمةَ: كَيسان السّختياني، ثِقةٌ إمامٌ، لا يُسألُ عنْ مثلهِ، ولا ألتفتُ لما قيلَ فيهِ أنّهُ مدلِّسٌ، ولا يضُرّهُ ذلكَ، لأنّهُ عن أنَس إنْ صحَّ هذا عَنهُ، وهذا الحديثُ عنْ أبي قُلابَةَ كما ترى، وفيه بحث، واللهُ المستعانُ.
المصدر: حديث إن الله زوى لي الأرض