بقلم/ فالح الشبلي
عند انتهائي من إعداد وتحقيق القول في بيان حال حفص بن سليمان، وذلك من خلال عملي في كتاب دراسة وتخريج حديث طلب العلم فريضة على كل مسلم، بعث لي الأخ الدكتور رياض الطائي جزاه الله خيراً وحفظه الله، دراسة عن حفص بن سليمان، مقدمة من قبل الدكتور يحيى بن عبد الله البكري الشهري حفظه الله، وهي عبارة عن رد على أحد الباحثين، فاجتهدت لقراءة البحث كاملاً بحواشيه وتعليقاته بغية الاستفادة منه، فكان فيه الكثير من الفوائد الحديثية، ولكن لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ بحث الدكتور لا يخلو من قصور فحاله كحال باقي البشر، بيد أنه بحث يستحق القراءة العميقة والتمعن فيه للاستفادة منه، فبارك الله في جهود الدكتور يحيى البكري باحثا، و نفع به طلبة العلم مستدلين, آمين.
ومما فات الأخ الدكتور في بحثه العلمي.
1 ـ قول البخاري: سكتوا عنه.
2 ـ وذكرُ الدارقطني له في الضعفاء.
3 ـ وقول البيهقي: ضعفه شعبة وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيره، وقد فاته كذلك بعض التخريجات أو العزو لمصادر مهمة، وسيأتي كلّ ذلك مفصلاً في بحثي, وإليك أخي القارئ دراستي عن حال حفص بن سليمان الأسدي:
حفص بن سليمان الأسدي أبو عمر البزاز الكوفي، كذاب، متروك الحديث، قال ابن محرز، أحمد بن محمد البغدادي، عن يحيى بن معين: كان أبو عمر كذاباً. [سؤالاته: 1/ 54 ـ س/38، 1/113 ـ 114 ـ س/546]،[الكامل لابن عدي: 3/268 ـ ت/505].
قلت: ويحيى بن معين، لا يتكلم إلا على بصيرة وفهم، كما وصفه بذلك أبو حاتم. [الجرح والتعديل: 9/222 ـ ت/925].
وقال الليث بن عبيد: سمعت يحيى بن معين، يقول: أبو عمر البزّازصاحب القراءة، ليس بثقة. [الكامل لابن عدي: 3/268 ـ ت/505].
وقال عبيد الله بن سعيد أبو قدامة السرخسي: سألتُ يحيى بن معين، عن حفص بن سليمان ـ يعني: أبا عمر القارئ ـ فقال: ليس بثقة. [الجرح والتعديل: 3/173 ـ ت/744].
وقال عثمان بن سعيد: سألت يحيى بن معين، عن حفص بن سليمان الأسدي الكوفي، كيف حديثه؟ فقال: ليس بثقة. [سؤالاته: س/269]،[المجروحين لابن حبّان: 1/311 ـ ت/251]، [ضعفاء العقيلي: 1/292 ـ ت/335]،[الكامل لابن عدي: 3/268 ـ ت/505]،[تاريخ بغداد: 8/184 ـ ت/4312].
وقال الحضرمي، عن يحيى بن معين: ليس بشيء. [ضعفاء العقيلي: 1/292 ـ ت/335].
وقال ابن مهدي: والله ما تحل الرواية عنه. [ تهذيب التهذيب].
قلت: وهذا جرح شديد منه، يقال عادةً في الكذاب الوضاع، كما فسرها لنا الإمام ابن حبان في كتابه [ المجروحين: 2/71 ـ ت/661 ـ ط/ حمدي]. في ترجمة عثمان بن معاوية ـ وغيره أيضاً ـ فقال: شيخ يروي عن ثابت البناني الأشياء الموضوعة التي لم يحدث بها ثابت قط، لا تحل الرواية عنه إلا على سبيل القدح فيه، فكيف الاحتجاج به؟.
وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: متروك الحديث. [العلل ومعرفة الرجال: 2/380 ـ س/2698]،[الجرح والتعديل: 3/173 ـ ت/744]، [الكنى والأسماء للدولابي: 2/54 ـ ت/1942]،[ضعفاء العقيلي: 1/292 ـ ت/335]،[الكامل لابن عدي: 3/ 268 ـ ت/505].
وقال حنبل بن إسحاق، قال أبو عبد الله: أبو عمر البزّاز، متروك الحديث. [تاريخ بغداد: 8/183 ـ ت/4312].
وقال علي بن المديني: متروك، ضعيف الحديث، وتركته عن عمد. [تاريخ بغداد: 8/184 ـ ت/ 4312].
وقال البخاري: تركوه. [الضعفاء: ص/35 ـ ت/73]،[التاريخ الكبير: 2/349 ـ 350 ـ ت/ 2767]،[ضعفاء العقيلي: 1/292 ـ ت/335]،[الكامل لابن عدي: 3/269 ـ ت/505]،[تاريخ بغداد: 8/184 ـ ت/4312].
وقال أيضاً: سكتوا عنه. [التاريخ الأوسط: 2/184 ـ اللحيدان]،[الكامل لابن عدي: 3/268 ـ ت/505].
وقال أبو حاتم الرازي: لا يكتب حديثه، وهو ضعيف الحديث، لا يصدق، متروك الحديث. [الجرح والتعديل: 3/173 ـ 174 ـ ت/744].
وقول أبو حاتم: «لا يَصْدُقُ» يعني: أنّه كذّاب، وهذا بعد محاولتي القيام بجمع واستيعاب لكل تراجم من قال فيه أبو حاتم: «لا يَصْدُقُ»، وما يتعلق بها من مظانها، وأقارن مع باقي أقوال أهل العلم بالراوي، وأختصرُ على أوضحها وأشدها وهو تكذيبهم إياه تصريحاً وتعريضاً، وأن أُوضحَ المراد الظاهر من هذه الكلمة، ومجرى لفظها ومفهومها، وبيان ذلك بالمثال والدليل الواضح، وأُناقش المسألة بإيجاز من خلال النصوص والأدلة المتوفرة، وبتركيز شديد على ما يخدم البحث، حتى نصل وندرك معنى وحقيقة ما قاله هذا الإمام، ويكون هذا البحث قاعدة مهمة يستفيد منه طالب العلم، ومن كرم الله وفضله علىّ أنّني وقفت على ترجمة يجمع فيها أبو حاتم بين القولين معاً، وهي ترجمة
1 – يحيى بن هاشم السمسار الغساني.
قال فيه: كان يكذب، وكان «لا يَصْدُقُ»، تُرك حديثه. [الجرح والتعديل: 9/195 ـ ت/115]. وكذلك كذبه يحيى بن معين، وصالح جزرة.
وإليك بعض من نعتهم أبو حاتم في قوله المتقدم فيهم وكذبهم غيره.
2 ـ سعيد بن عنبسة الرازي أبو عثمان الخزاز.
قال أبو حاتم: «لا يَصْدُقُ». [الجرح والتعديل: 4/53 ـ ت/227]. وقد فسر هذا اللفظ بوضوح، ودقّة تامّة، علي بن الحسين بن الجنيد أبو الحسن الرازي، قال عبد الرحمن بن أبي حاتم، سمعت علي بن الحسين بن الجنيد، يقول:سعيد بن عنبسة «كذاب»، سمعت أبي يقول: كان«لا يَصْدُقُ». [الجرح والتعديل: 4/53 ـ ت/227]. وقال ابن معين: هذا كذاب. [الجرح والتعديل: 4/52 ـ ت/227].
3 ـ عبد الله بن عمرو بن حسان الواقعي.
قال أبو حاتم: «لا يَصْدُقُ». [الجرح والتعديل: 5/119 ـ ت/548]. وقال الدارقطني: بصري، يكذب …. [الضعفاء والمتروكين: ص/264 ـ ت/321]. وقال أيضاً: …. رماه علي بن المديني بالكذب. [السنن: 4/33 ـ ح/3049 ـ ط/ شعيب].
4 ـ عبد القدوس بن حبيب الكلاعي.
قال أبو حاتم:« …. لا يَصْدُقُ». [الجرح والتعديل: 6/56 ـ ت/295]. وقال عبد الرزاق: ما رأيت ابن المبارك يفصح بقوله: كذاب، إلا لعبد القدوس. [ميزان الاعتدال: 2/560 ـ ت/4901].
قلت: هذا ما توفّر لديّ ممن قال أبو حاتم الرازي فيهم «لا يَصْدُقُ» وكذبهم غيره من النُّقَّاد، واستقرَّ الأمرُ عندي أنَّ هذه اللفظة عند أبي حاتم معناها ومقتضاها وصفُ الراوي بالكذب، وهذا يُوضح ويؤيد بجلاء حقيقة ما نقله لنا ابن محرز عن ابن معين، في قولهِ المتقدمِ: «كان أبو عمر كذاباً»، وقد قدمتُ فيما سبق ذكره أن يحيى «لا يتكلم إلا على بصيرة وفهم» وهذا كان لي فيه قصد، نعم هو صاحب قراءة، وقد أثنى عليه العلماء من المعاصرين له ومن المتأخرين عنه أيضاً، ولكن هذا لا يمنعُ الكلامَ فيه كذلك من المعاصريه له أو المتأخرين عنه، ومنهم من رجح غيره عليه في القراءة، وهذا ليس المقصد الأساسي في مبحثنا، وقول أهل العلم فيه كذاب، قد مرَّعلى كثيرٍ ممن صنف في الرجال من كبار الأئمة المجتهدين كالحافظ ابن حجر، ولم يعتذر عنهُ أحدٌ منهم بأدنى عذر، أو يُبين ويوضح ماهية هذا القول ومعناه، وذلك لما علموه وفهموه من مغزى وحقيقة هذا الكلام، وهذا البحث كله في نطاق علم الحديث دون غيره، أمّا في القراءة، فهذا شأنٌ آخر، والله المستعان.
ولم أتطرَّق في بحثي هذا إلى غير كلام أبي حاتم فيمن قيل فيه «لا يَصْدُقُ»، وذلك لعدم رغبتي في الخروج عن الموضوع الأساسي، نسأل الله التوفيق والسداد.
وهنا ينتهي بحثي حول قول أبي حاتم «لا يَصْدُقُ» ولا بُد لنا من العودة مرة ثانية إلى ترجمة حفص بن سليمان فنبدأ بقولِ أبي حاتم أيضاً.
وقال في ترجمة حفص بن عمر قاضي حلب: ضعيف الحديث، وهو دون حفص بن سليمان في الضعف. [ الجرح والتعديل: 3/180 ـ ت/773].
وقال ابن خراش: كذاب، متروك، يضع الحديث. [تاريخ بغداد: 8/184 ـ ت/4312].
وقال مسلم: متروك الحديث. [الكنى: ص/540 ـ ت/2164]،[تاريخ بغداد: 8/184 ـ ت/4312].
وقال النسائي: متروك الحديث. [الصعفاء والمتروكين: ص/82 ـ ت/136]،[الكامل لابن عدي: 3/269 ـ ت/505]،[تاريخ بغداد: 8/184 ـ ت/4312].
وقال أيضاً: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه. [تهذيب الكمال: 7/14].
وقال صالح جزرة: لا يكتب حديثه …. أحاديثه كلها مناكير. [تاريخ بغداد: 8/184 ـ ت/ 4312].
وقال زكريا بن يحيى الساجي: يحدث عن سماك وعلقمة بن مرثد، وكذلك عن قيس بن مسلم وعاصم بن بهدلة أحاديث بواطيل. [تاريخ بغداد: 8/185 ـ ت/4312].
وقال ابن حبّان: كان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل. [المجروحين: 1/311 ـ ت/251].
وقوله: كان يقلب الأسانيد.
أي أنه: يرفع المرسل ويسند الموقوف، كما فسر ذلك ابن حبان في ترجمة القاسم بن غصن. [ المجروحين: 2/216 ـ ت/875].
وقال أيضا: حفص بن سليمان البصري المنقري، يروي عن الحسن …. وليس هذا بحفص بن سليمان البزاز أبو عمر القارئ، ذاك ضعيف، وهذا ثبت. [ الثقات: 6/195 ـ في ترجمة حفص بن سليمان المنقري].
وقال ابن عدي: …. وعامة حديثه عمّن روى عنهم، غير محفوظة. [الكامل: 3/ 276 ـ ت/505].
وقال مرة: …. روى عن علقمة أحاديث مناكير لا يرويها غيره. [ الكامل: 8/245 ـ ت/1954].
وقال مرة: لين. [ الكامل:8/63 ـ ت/1827].
وقال علي بن الحسين بن الجنيد:منكر الحديث. [ الجرح والتعديل: 3/172 ـ ت/741].
وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث. [سؤالات البرذعي: ص/502]،[الجرح والتعديل: 3/174 ـ ت/744].
وقال البرذعي: ذاكرت أبا زرعة بباب، فقلت: حدثنا، عن عبيد الله بن موسى، عن حفص بن سليمان، قال: لو جوزنا حفص بن سليمان لكان الأمر كذا، حفص بن سليمان ذاك الضعيف. [ سؤالات البرذعي: 1/501 ـ 502].
وذكره كذلك في أسماء الضعفاء. [ص: 609 ـ ت/71].
وقال الجوزجاني: قد فُرغ منه منذ دهرٍ. [أحوال الرجال: ص/110 ـ ت/174]،[الكامل لابن عدي: 3/269 ـ ت/505].
وقال الترمذي: يضعف في الحديث. [الجامع: ح/2905].
وقال الدارقطني: ضعيف. [السنن: 3/306 ـ ح /2628].
وذكره في الضعفاء. [ص/185 ـ ت/170].
وقال الحاكم: ذاهب الحديث. [تهذيب الكمال: 7/15].
وقال البزار: لين الحديث جداً. [المسند: ح/6746].
وقال أيضاً: لين الحديث، حدث بأحاديث مناكير. [المسند: ح/8648].
وقال كذلك: لم يكن بالقوي في الحديث. [المسند: ح/4110].
وقال البيهيقي: متروك. [ السنن الصغرى: 3/304 ـ ح/3411].
وقال أيضاً: وحفص، ضعيف عند أهل العلم بالحديث. [ معرفة السنن والآثار: 7/505 ـ ح/6050].
وقال أيضاً: كان ضعيفا في الحديث عند أهل العلم به. [ شعب الإيمان:3/329 ـ ح/1947].
وقال مرة: ضعيف في الحديث. [ السنن الكبرى: 2/243، 5/246]، [ شعب الإيمان: 2/329 ـ ح/1947، 3/489 ـ ح/4155 ـ وفيه: ضعيف في رواية الحديث].
وقال مرة: ضعّفه شعبة وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهم. [ السنن الكبرى: 10/290].
وقال كذلك: غيره أوثق منه. [ شعب الإيمان: 2/552 ـ ح/2692].
أقول: هذه حال حفص بن سليمان عند الأئمة والعلماء نعتوه بشتَّى نعوت الذم، ووصفوه أيضاً بكثير من الأوصاف السيئة باختلافها، بل بأقبح الأوصاف وأشنعها بنسبته إلى الكذب ووضع الحديث، نعوذ بالله من الخذلان، وهذا المدلول مؤكد وثابت كما تقدم، ولم يسلم من أغلب النقاد لشهرته بالضعف، وهو شبه متفق على ضعفه، فمن كان هذا شأنه وحاله وقد كذبه أهل العلم والعلماء، فهل يُقبل العذر عنه، والمنازعة فيه، والتناظر عليه ؟، فهكذا راوي المنازعة فيه مكابرةً وعناداً، أو أعراضاً عن الحقيقة والصواب، وإن العذر عنه مغالطة في الحقائق، وتصوير الأشياء على خلاف ظاهرها وحقيقتها وما ترمي إليه، والتناظر والنقاش عليه مراء وجدل، والواجب علينا بعد ظهور الحق ووضوح الصواب، وقيام الحجة بأجلى صورها، الامتثال والانصياع لما قِيل فيه، ولهذا فأن حفص قد اتفق عليه أكثر من إمام على تضعيفه كما تقدم، قال الإمام الذهبي: «ولكن هذا الدين محفوظ من الله تعالى، لم يجتمع علماؤه على ضلالة ….». [الموقظة:ص/229 ـ ط العوني].
وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم