مقال بقلم / فالح الشبلي
لقد تفاجأت حالي حال الكثيرين وأنا أتابع أخبار الشرق الأوسط بخبر عاجل مفاده قيام روسيا بسحب قواتها الموجودة في سوريا، وجالت في خاطري نقاط عدة وتساؤلات كثيرة منها: ما الذي أقحم هذه القوات للقتال في سوريا ومن الذي خولها التدخل في الملف السوري أصلاً ؟ إنّ من المفارقات سكوت الأمم المتحدة عن هذا الاستهتار، فكما يعلم الجميع أن الأمم المتحدة أُسست من أجل تسيير شؤون الدول والدفاع عن الأمم التي يتم استضعافها تحت تأصيلات شتى وقوانين عديدة، ولكن الذي اتضح هو أن الأمم المتحدة ليست كذلك، وما دفعني لهذا الكلام هو أن روسيا صرّحت بأن قيادتها يلزمها تخويل من الأمم المتحدة للتدخل في ليبيا، وفي الوقت نفسه تدخل إلى سوريا وتخرج بلا حسيب ولا رقيب، وفي مشهد آخر نرى رئيس البوسنة والهرسك يحاكم على جرائمه بينما يتم السكوت على جرائم بوتين في سوريا فهذه معادلات مشتتة لا يمكن الجمع والتوفيق بينها، وعلى كل حال فليس هذا هو موضوعنا.
لقد سئلت بعد قرار روسيا الانسحاب عن رأيي وما أقول في ذلك وكيف أفسر هذا الانسحاب المفاجئ ؟
والذي أراه :
يعلم الجميع أن هذا القرار لم يصرح أي من المسؤولين عن سببه الفعلي والحقيقي، ولم يسربه أحد أيضا لذلك فقد أصبح مبهم الأسباب لدى الساسة والمفكرين، ولكن بإمكان هذا المحلل السياسي أو ذاك أن يتوقع سبب أو أسباب الانسحاب الروسي وقد يصيب أو يخطئ، وذلك لأنه قرار غير معلوم، وقد يتفاجأ السياسيون بأن القرار في وادٍ وتوقعاتهم في واد آخر، فقد تسارعت الأحداث، فجأةً تنسحب القوات الروسية ومعها ينسحب حزب الله أيضاً، أيضاً نرى رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري يزور السعودية تزامناً مع هذا الحدث، وداعش تعود فجأة إلى الرطبة بعد أن انسحبت منها، وتتوجه أمريكا لاتهام طهران وحزب الله بالضلوع في أحداث سبتمبر، وقد تكون هناك أمور أخرى تزامنت مع الأحداث وخفيت علينا، ثم تتحول كثير من الوقائع على الأرض لصالح …. ؟ لقد كانت لدي بعض الأمور التي توقعتها بعد ساعة الحدث ثم ارتأيت أن أضيف إليها بعض الاحتمالات التي تدور حول أسباب الانسحاب الروسي المفاجئ:
الاحتمال الأول:
كتبت عنه في أكثر من مناسبة قبل سنة تقريباً، وبعدها كتبت مقالتي روسيا واليهود، وقد تحدثت فيها كيف أن اليهود ورطوا روسيا في حرب أفغانستان ثم فككوا الاتحاد السوفيتي من بعدها، وهاهم اليوم يدخلونهم في منزلق خطير حيث بوابة اللاعودة وأعني المستنقع السوري.
فمن الممكن أن يكون الروس قد أدركوا اللعبة اليهودية ضد وجودهم في سوريا، فقرروا استدراك الأمر والرجوع من حيث أتوا والاستعداد لمرحلة أخرى لمواجه المخطط الأمريكي اليهودي ضدهم داخل أوربا وليس على الأرض السورية فيكونون بذلك قد حصنوا بلادهم للدفاع عن أنفسهم.
الاحتمال الثاني:
من الممكن أن يكون الروس قد حصلوا على ما يطمحون إليه من وعود أمريكية لتقاسم الكعكة السورية، وهذا هو الذي دفعهم للدخول عنوة في الملف السوري لكي لا يخرجوا صفر اليدين من هذه التحولات التي تجري في المنطقة بعد انتهاء الأزمة السورية، فروسيا لم تأت دفاعا عن الأسد، بل بحثاً عن مصالح لها في سوريا ما بعد الأسد، متظاهرة بالدفاع عن الشرعية المتمثلة بالقيادة السورية، وكما هو معلوم فإن لروسيا مصالح عدة في كثير من الدول وهي تعتاش على هكذا أزمات فتتدخل فيها كي تخرج بنتائج لصالحها.
الاحتمال الثالث:
من الممكن أيضاً أن يكون الشارع الروسي على وشك الانتفاض ضد الحكومة الروسية لذلك كان الانسحاب مفاجئا، وهذا بلا شك له مقدمات، وقد ذكرت بعضها من خلال العديد من المنشورات قبل فترة ليست بالبعيدة، فقلت بأن حربنا مع الروس قد تتحول إلى حرب اقتصادية فيكنس الروبل ويرمى في المزابل، وهذا أيضاً لا يستبعد، فكانت حرباً خفية بين السعودية وروسيا، والدليل أن السعودية كانت السبب الرئيسي في انخفاض سعر البترول، وهذا طبعاً ظاهريا ولا علم لنا بما خفي، وعلى أثره كانت معاناة الدولة الروسية قد وصلت إلى حد إعلان بعض المصارف والشركات الروسية إفلاسها، لذلك فقد هددت الحكومة الروسية بسحب جنسية التجار الذين لا يودعون أموالهم في المصارف الروسية ولا يستنتج من هذا سوى تردي الوضع المالي في هذه الدولة العظمى.
الاحتمال الرابع:
أظن بأن المقاومة السورية قد تسلمت أسلحة متطورة كمضادات الطيران، وبذلك ستدخل روسيا معتركا لا ينتهي إلا بانكسارها وستصاب بانهيار لم يسبق لها أن تورطت فيه، وهذا مبتغى اليهود كي لا يكون لهم منافس في المستقبل، فبإمكان روسيا أن تشكل تحالفا مع بعض الدول يكون له شأن أمام الدول الأوربية وأمريكا وهذا التحالف يجمع بعض الدول التي تشترك مع روسيا في نفس المصير مع بعض البلدان الأخرى كالصين، فلو نجحت هذه الدول بتشكيل تحالف ضد أمريكا وأوروبا لكان حلفا قويا قد تتقهقر الدول القوية وتنكسر أمامه بزمن قياسي وتعود الحروب في أوروبا إلى ما كانت عليه ولكن هذه المرة بتحالفات أقوى من ذي قبل.
الاحتمال الخامس:
قد يكون عزمُ دول المنطقة التدخل في سوريا من خلال التحالف الإسلامي العسكري، قد دفع الروس لاتخاذ هذا الموقف، وعلى أثره جاء قرار حزب الله بالانسحاب أيضاً وكذلك بعض الأحزاب الأخرى التي تديرها إيران، وقد يتلوه هروب إيران أيضاً، وسوف يكون لهذه الانسحابات تبريرات كثيرة، تعلن فشل الروس وحلفائهم في الصمود أمام هذه الدول الإسلامية التي ستساند إخوتها في سوريا، فكأن روسيا قد شعرت بخطر هذا الجيش الجرار بأسلحته المتطورة التي تعجز روسيا عن مجابهتها بأسلحتها التي تعد من الصنف الخامس أو السادس.
فكان قرارها المفاجئ بالانسحاب هو إعلانها الاكتفاء بما خسرته على الأسد لكي تبقى على أقل أحوالها دولةٌ ذات سيادة وحدود وعلم.
لا أرى أن روسيا قد أنجزت مهمتها في سوريا، أو على الأقل فهي لم تسعَ لإنجازها وإن كانت قادرة على ذلك، فالبلاد فيها من الخيرات والثروات ما الله به عليم ويشكل موقعها الاستراتيجي الذي يطل على البحر الأبيض المتوسط أسمى ما تنشده روسيا من تدخلها.
الاحتمال السادس:
وهو الأخير، قد تكون هذه اللعبة قد انتهت من حيث التخطيط، والذي يهدف إلى رسم خارطة جديدة تهدف إلى تقسيم المنطقة، تكون روسيا بذلك قد أسست دولة على الساحل تحتضن العلوية وبذلك نجحت في السيطرة على تريليونات الأمتار المكعبة من الغاز الطبيعي، والذي لا يخفى على الاقتصاديين والدول المعنية بهذا الجانب، وتكون أمريكا قد أسست قواعد لها وباتت تقود بعض الدويلات المتناحرة، محققة بذلك الحلم اليهودي في المنطقة، ويكون لها مراكز قيادة لكل من دولة الأكراد ودولة السنة ودولة داعش وهكذا يكون الحلم اليهودي قد تحقق بقيادة أمريكا وروسيا وتصبح الدولة اليهودية القائد الفرد للعالم ومقرها فلسطين المحتلة – إسرائيل -. هذا ما أراه وقد يكون هناك بعض الاحتمالات الأخرى التي هي خارج التوقع فيكون القرار أخفى من الخفي لا يعلمه إلا من قرره.
المصدر: صحيفة المقال