مقال بقلم/ فالح الشبلي
تكثر الحركات الانفصالية في العالم أجمع، وكلها تسعى إلى تحقيق مرادها في بقعة ما ـ وإن كانت صغيرة ـ سواء أكان لديها مظلومية ما أم لا، بدافعٍ من المنتفع من هذا الانفصال سواء حقق الانفصال عن الدولة الأم أم لم يحققها.
الشاهد من هذه المقدمة أن كل الحركات الانفصالية ـ وأخص منها ما كانت في أوربا وأمريكا ـ لا يتم تفعيلها وتشجيعها على الانفصال من قبل اليهودية والإمبريالية العالمية، بينما تُشجع في الدول العربية وأفريقيا، وهذا يعني أن تلك الحركات لها دور يخدم اليهود ومشاريعهم التفتيتية لدولٍ تدخل ضمن مشروعهم وأطماعهم في المنطقة.
• استرداد الحقوق:
لا أرى أن في استرداد الحقوق كثيرًا من الصعوبة على الدولة الأم، فهي التي تمتلك المقومات لذلك، وإن كانت تتفاوت في القوة والضعف والموارد إلخ …. ولكن أيًّا كانت هذه الدولة ففي استطاعتها استرداد هذا الجزء المتمرد منذ بداية تمرده، ولكن الذي أراه أن بعض الدول الغربية مأمورة بأوامر يهودية تمنع الدولة المعنية من القيام بمثل هذا العمل، فنرى الغرب يضغط على الدولة المستهدفة بعدم التعرض لهذه الحركة الانفصالية
وعرقلة مشاريعها، وهنا يتبين أن الانفصال يحقق للدول الأخرى نصيبًا كما تقدم، والدولة إذا كانت عاجزة حتمًا عن مناطحة هذه الدول مجتمعة، يبدأ الانفصاليون بتنفيذ مشروعهم على كل حال.
• تشجيع الانفصاليين وإن كان على حساب عجزهم:
قد يشجع اليهود حركات التمرد على انفصالها عن الدولة الأم، وإن كانت الدراسة تقول: إن هذه الدولة لا مستقبل لها، ـ مثل الدويلات الكردية في العراق ـ ولا أقول: الدولة الكردية فهي دولة لمسعود البرزاني وأخرى ذات اتجاه آخر لطالباني ـ ، فهذا لهُ تواصل مباشر مع اليهود وذاك لهُ تواصل مع الإيرانيين، ولكن كليهما يعجز عن أن يُكوّن دولة مستقلة بذاتها، وهذا ما أشرت إليه في مقال سابق حيث بينت أن الدولة الكردية محاطة بدول تمنعها من أن ترقى إلى مستوى دويلة قائمة بذاتها، وذكرت في مقالتي تلك أن نفطها المصدّر عبر تركيا الذي تعتمد عليه باعتباره ثروة وطنية، عجزت عندما انخفض سعر البترول في العالم أن تؤمن رواتب موظفيها فلجأت إلى الدولة الأم العراق، لمساعدتها في دفع الرواتب، هنا يتبين لنا أن هذه الدويلات لاقت تشجيعًا من قبل دول أخرى للانفصال والتحرر.
كذلك دولة جنوب السودان، فهي مثالٌ آخر للانفصاليين في العالم العربي. إن جون كرنك يمثل قوة من خلال قبيلته المتعلمة ذات النفوذ في الجنوب، ولكن هذا لا يعني أنه المتفرد بالقوة والقبيلة فهناك من ينافسه في جنوب السودان أيضًا، تلك البقعة التي لا تمتلك من الثروات سوى النفط الذي يعتبر المقوم الرئيس لهذه الدويلة الميتة التي يحاول اليهود إنعاشها بكل الطرق والسبل كي تكون سكينًا في خاصرة الدولة الأم السودان، وذلك ما يهدف لهُ اليهود ليجزؤوا الوطن العربي الكبير، ولو لم يخش اليهود قوته ما سعوا لتقسيمه ـ وهذا ردًّا على من يقول: أين القوة في الدول العربية ؟ ـ فالدول العربية قوية ولكنها تحتاج إلى تكاتف وغرفة عمليات واحدة تقودها ضد أعدائها، لكي ينهض الوطن العربي من جديد ويعود كما كان.
• عدم تشجيع الانفصال:
في الجانب الآخر نجد اليهود لا يشجعون الانفصاليين في بعض الدول، فمثلًا هناك صراع دائر بين فرنسا وإسبانيا وبين منظمة إيتا المطالبة بالانفصال، وهذه الجماعة تصارع منذ زمن بعيد هاتين الدولتين للانفصال عنهما، وإن كانت تميل إلى دولة أكثر من الأخرى، وهذا ليس موضوعنا، فنجد اليهود في العالم قد تركوا هذه القضية مهملة ولم يشجعوا الانفصاليين على الخروج بنتيجة، بل لا زالوا يعانون من فكرة انفصالهم المدروس الذي قد يكون مهيّأً أكثر من غيره، فإقليم الباسك فيه كثير من الموارد الطبيعية وقد تكون الحياة الاصطناعية منتعشة في المستقبل في هذا البلد، الذي يعد صغيرًا مقابل دولتين كفرنسا وإسبانيا، ولكنه لم يستطع بعد الانفراد بهذه المساحة.
كما نجد من يتمتع بحرية الاستقلال كمملكة موناكو في فرنسا التي تعد دولة غير معروفة، أو بلجيكا التي تعد دولة داخلها دول كما هو معروف، فالدول: الهولندية والفرنسية والألمانية كلها من دول جوار شتى تأسست عليها دولة أصبحت تجمع الدول الأوربية من أرضها بقرار من خلال منظمة الدول الأوربية الموجودة فيها. كذلك يمنع اليهود دولة الأحواز من نيل استقلالها، وهي التي تمتلك خيرات كثيرة استولى عليها الفرس ومحوها كدولة، وجعلوها محافظة أو إقليمًا إيرانيًّا يتمتع به الفرس منتهكين شتى الحقوق ضد هذا المكون العربي. الذي سلب من الوطن العربي بالقوة. أيضًا نرى اليهود يمنعون انفصال بلوشستان الذي يعد جزءًا من بلاد السند ولا يمت للدولة الفارسية بصلة، وهو قادر على النهوض والاستمرار من خلال موارده وإطلالته على البحر، بل قد يكون من الدول المهمة التي تحرس وتحمي مضيق هرمز الاستراتيجي.
وكذلك أكراد إيران المهضومة حقوقهم الذين لا يختلفون عن أكراد العراق بكبير فارق، بل هم سواسية بأرض خصبة منتجة قد استفاد منها الفرس أيما استفادة.
هذه نماذج تشجيع اليهود ونماذج من عدم تشجيعهم على الانفصال، نجد من خلالها مفارقات بين أمور كثيرة ترتئيها الدول العالمية المساندة للقرار اليهودي.
• تعهدات اليهود:
يتعهد اليهود ببعض ما يحتاج إليه الانفصاليون، وإن كان مؤقتًا، فقد تعهدوا لجنوب السودان بدولة مزدهرة رغم أن جنوب السودان ليس لهُ صلة جغرافية أو دينية أو قومية باليهود، ولكنهم يزرعون هذه البذرة الفاسدة لرعاية من يمتثل لهم ولأوامرهم ويكون أداة ضغط على دول الجوار كالسودان مثلًا. وكذلك الأكراد عندما استخدموهم لمقاتلة الجيش العراقي منذ الأزل لكي يضعضعوا القرار العراقي، ويكونوا مصدر تهديد لهذه الدولة العربية، بينما نجدهم ـ كما تقدم ـ قد تركوا بعض الانفصاليين؛ لأن الدولة الأم كلها تنساق للقرارات اليهودية التي تعتبر المسؤولة عن القرار في إيران منذ حكم الشاه رضا بهلوي ثم محمد رضا بهلوي ثم الخميني وإلى يومنا هذا.
هنا يتبين لنا مصلحة اليهود بدعم الانفصاليين في مكان ما، وعدم دعمهم في الجانب الآخر، ولكن مكر اليهود يدفعهم لترك بعض المتعلقات ما بين الانفصاليين والدولة الأم ومنها ترسيم الحدود بما فيها من أطماع كثيرة، وقد تحصل أيضًا بعض المشكلات بين الدول التي يكون لليهود فيها مصلحة، كمشاركة الدولة الأخرى خيراتها وعائداتها التي تشكل عماد هذه الدولة أو تلك، وبعض الأمور الأخرى التي لا مكان لسردها في هذا المقال.