مقال بقلم/ فالح الشبلي
لن نقول: عادوا والعودُ أحمدُ، وإنما قال الأمريكان: هربنا والهروبُ أحمدُ.
نعم لقد هربوا من العراق بعد أن واجهوا أشد ما يلقاه المحتل، فالهروب الماكر من العراق استثمره هذا المحتل الذي لم يترك شيئاً إلا هيأه لصالحه بعد أن واجه رجالا يندر وجودهم في هذا العالم، كما وجد أبطالا تربوا على شيم العرب التي لا تسمح للمحتل أن يعشعش ويصنع ما يحلو له في بلادهم، ففوجئ بالكم الذي لم يكن يحسب له حساباً بل كان خارج دراسته عن العراق وأهله.
• أساليب الاحتلال:
لقد تفنن المدافع عن البلاد في صيد المحتل فحولت العمليات المبهرة آنذاك مخططاته كابوسا، إذ لم يكن يتوقع أن تكون بهذه القوة أو الكيفية، فبدأ المحتل يتلون بالمكر والدهاء، إلا أنها كما تقدم كانت خارج حساباته فاضطر إلى الخروج من العراق ولكن بطريقة أدهى من طريقة دخوله. إننا لا نشك في ضعفه الذي قد يكون ملاحظاً، وفي أن قوته تكمن في أهل البلد نفسه حينما صنع من بعضهم أداة له، كما رأينا في فيتنام عندما حاول المحتل أن يظفر بعدد كبير من الخونة لكنه في النهاية لم يجد العدد الكافي من العملاء ولهذا لم يستطع السيطرة على البلد على الرغم من أنه سيطر عليه ظاهرا. وكذلك في العراق فقد سيطر عليه ظاهرا ولكن أهله نحَوا منحى آخر في الدفاع عن الأرض والعرض وقتال المحتل أينما وجد، رغم أن المحتل سعى ووجد ما سعى إليه ولكنه لم يتمكن من اصطياد العدد الكافي من الخونة الذين يمكنونه من السيطرة على بلد كالعراق، فعاد أدراجه من حيث أتى، ولكنه مع الأسف ترك البذرة كما هي، إذ إنه سلط على البلد أراذل الناس. وأكتفي بهذا ولا أريد التوسع في وصف هؤلاء الخونة فالمسألة أوسع بكثير مما أذكره في هذه الأسطر اليسيرة.
يقول الكاتب والمؤرخ الإنجليزي هويل: ( إذا أردت أن تلغي شعباً، فلتبدأ أولا بشلِّ ذاكرته، ثم تلغي كتبه وثقافته وتاريخه، ثم يكتب له طرف آخر كتبا أخرى ويعطيه ثقافة أخرى ويخترع له تاريخاً آخر، عندها ينسى هذا الشعب ما كان وماذا كان والعالم ينساه أيضاً … ).
وهذا ما اعتمده المحتل الأمريكي عندما انسحب من العراق، فقد سلط عليه الاحتلال الفارسي ففرد لهذا الشعب كل خزعبلاته وفساده المتأصل في بعض شعبه المنحل المتنافس على الرذيلة، والذي لا يملك أدنى القيم التي تحملها الشعوب الأخرى التي لا تمتلك المبادئ على أقل تقدير، فما كان من هذا المحتل إلا أن نشر أصحابه واستجلب بعض من باع وطنه فكان إماما لهم في قتل الشعب وتشريده كما أراد الأمريكان لكي يخفف عنهم عبء العودة إذا ما عاد هذا الأمريكي الذي رسم لنفسه طريق العودة قبل المغادرة وسلم البلد لمن يقضي على شرفائه بأداةٍ أخرى غير أداته، فنجح في استعمال إيران للقيام بهذه المهامة بدل أمريكا فحصروا العراق في زاوية ضيقة تسمى شمال العراق في مخيمات تشبه مخيمات الفلسطينيين عندما خرجوا عام ( ١٩٤٨ م ) ولم يتمكنوا بعدها من العودة إلى بلدهم، وإني لأخشى أن يكون مصير العراقيين كمصير الفلسطنيين فلا يحق لهم العودة إلى العراق لا زائرين ولاسائحين.
• عودة الأمريكان:
بعد أن هيأ الأمريكان المنطقة – ولا أقول العراق فقط – وبعد أن صنعت أمريكا من العراقيين مجرمين قد لوثتهم إيران بالطائفية، استغنت أمريكا الآن عن الدور الإيراني في المنطقة، فقد زرعت أعداء لكل بلد من أبناء البلد نفسه وهذا مشاهد في سوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان. وما نخشاه هو أنه قد يمتد إلى بلدان أخرى، ففكرت الآن في العودة إلى المنطقة بعد أن تركتها، وها هي جحافل الجيش الأمريكي تعود إلى أطراف العراق وأطراف سوريا باعتبارها محتلا من غير منازع، وتبين لنا أن المحتل لا يقف عند حد بل إن دراساته أوسع من أن تحصى وتحتوى، فعند استبدال الثقافات والتأصيل لأبناء الشعوب يسهل على المحتل الاحتلال وهنا يؤصل الأمريكي قانون هويل والنظرة البريطانية الثاقبة للاستمرار باعتبارها صاحبة خبرة احتلت العالم كله.
• نصيحة:
أكتفي بما تقدم ولو أردنا الإسهاب لما انتهينا، ولكن أقول لعلي بهذه الإشارة أكون ناصحاً لأمتي لكي لا نترك المحتل يعود عوداً أحمد بل نريده أن يهرب إلى غير رجعة، لذا ينبغي أن ندرس التاريخ وهذه نصيحتي لأمتي.