مقال بقلم/ فالح الشبلي
أيُّ عملٍ سياسيٍّ في العالم ـ وخصوصا بعض الدول النامية ـ يُحسب وفقَ مخططٍ ما، وقد يطولُ وقتُ هذا المخطط، وقد يكون أقصر مما نتوقع، فالعالمُ الآن يعيشُ على دماءِ الانسانِ البسيط، الذي قد لا يجدُ لقمةَ العيش لديمومته على وجه الأرض، أو لتربية أولاده، أو للقيام بحق أهله، فتجد هذه المشاريع لا تصبُّ إلا في مصلحة المحتل، سواء أكان الاحتلال معلنًا أم خفيًّا، كما ذكرت هذا في مقالتي “فن الاحتلال”. والكلام في هذا الشأن قد يطول شيئًا ما، لكنني أحببتُ أن أشارك برؤيتي فيما يحدثُ اليوم في أفغانستان، فأقول متوكلا على الله:
• إنّ الذي يحصل في أفغانستان اليوم هو نتاجُ عملٍ أمريكيٍّ استمرّ مدة عشرين عامًا تقريبا، وقد نحملهُ على عجزٍ أمريكيٍّ في إدارة أمريكا لأفغانستان بالصورة الصحيحة التي يتأملها العالم كل هذه الأعوام، ولكنها لم تنجح في السيطرة الكاملة على أفغانستان كل هذه السنوات، وقد قابلتها الأعمال البسيطة التي لا ترقى لمستوى المقاومة الحقيقية ضد المحتل.
• وقد يكونُ هذا الانسحابُ ناتجًا عن مخططٍ مدروسٍ ومُحكمٍ، ستظهر لنا نتائجه في قادم الأيام، فنحنُ نجهلُ هذا العملَ وأهدافه، فقد يكون عملًا على حرب ما بين الأفغان، بأسبابٍ وذرائعَ كثيرةٍ يصعبُ توقعها.
• وقد يكون من وراء هذا الانسحاب غير المُنظّمِ، والذي نخشى على الأفغان من بدايته؛ عمل ما ضد الأفغان، استنادا إلى ما ينشره البعض على وسائل التواصل الاجتماعي، عما قامت به حركة طالبان خلال مدة الاحتلال الأمريكي، وذلك لتشويه سمعتها تمهيدًا لتحالفٍ دوليٍّ ضد هذا البلد.
• وقد يكون هذا ناتجًا عن الاجتماع الذي أجرته طالبان في دولة قطر، والذي تم من خلاله الاتفاق مع أمريكا على التحرك ضد إيران، كعملٍ أتوقعه منذ مدة طويلةٍ، وهذا نشرته في عدة مقالات لي تحت اسم “نهاية إيران”، فإن الأمريكان ومعهم حلفاؤهم من الأفغان لا يستطيعون القيام بهذا العمل، لكي لا تحسب عليهم المشاركة في تقسيم إيران في المستقبل، فأوجدوا البديل الذي تضرب به أمريكا عصفورين بحجر واحد، وبعد الانتهاء من دور طالبان في إيران يتم الانقلاب عليهم ووضعهم في زاوية أخرى من مخططاتهم.
• وقد تكونُ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ لمستْ من روسيا مخططًا يستهدف أفغانستان من خلال دول جوارها التي تسيطر عليها روسيا، فأحبّوا أن يورطوها في قتالٍ مع الأفغان، لكي يُضعفوها تمهيدًا لتقسيمها، كما قسّموا الاتحاد السوفيتي قبلها.
ـ وجه التشابه بين أفغانستان والعراق أنّ معظمَ الأحداثِ التي تدورُ في المنطقة خاصّةً آسيا تجري عليها نفس السياسة، بحكمِ أن هذه المناطق مستهدفةٌ، ولم تصلْ إليها الولايات المتحدة بِنيّة التحرير والتعمير والبناء، بل هي أتت لنهب الثروات، وقتل الثقافات، والتغيير الديموغرافي، وإشاعة الفوضى، وهذا كله يندرج تحت ما أسماه برنارد لويس “الفوضى الخلاقة” فالخطط المستقبليةُ ضد العراق ـ إن لم نقل هذه الأيام ـ متشابهة، إلا في شيء يسير عما طرحناه في هذه المقالة، فهنا نستطيع أن نقول: إن الانسحاب الأمريكي يحتمل عدة نقاط:
• قد يؤدي الانسحاب إلى اقتتال وفوضى في العراق بشكل عام بين الأحزاب الشيعية.
• المكون السني مع السني.
• الأكراد مع العرب بطوائفهم حول كركوك والموصل.
• وقد تشارك بعضُ دول الجوار في هذا المعترك بضوءٍ أخضرَ من أمريكا، باعتبارها صاحبة لفكرة هذا الاقتتال. وأنا أتوقع أن أمريكا ترشح العراق، كما رشحت أفغانستان، وقد ذكرتها آنفًا، لكي يكون العدوَّ الأولَ لإيران، وبعدها أفغانستان، تمهيدا لتقسيم إيران.
وأنا أذكر هذه الاحتمالات لأن السياسة فيها احتمال لحدوث كل شيء، فالذي يُضمِره المحتل لا نعلم خفاياه، وكل هذه الاحتمالات أعتبرها صحيحة وواردة، ولكن نجهلُ ما يختارهُ المحتلّ منها.
ولهذا السبب يختلف كثير من الساسة في استنتاجاتهم، ولكن قد يكون واحدًا من هذه الأسئلة قد وقع على ما اختاره فلان من الساسة، ولا يعني أن تكون بقية الاحتمالات خطأ.
وقد يسألُ سائلٌ: لماذا ركزت على السلبيات ولم تتوقع الإيجابيات؟أقول: إنّ المشروعَ على العراق هو هدف أمريكا، ولهذا تجدهم يفكرون بديمومةِ إخضاعِ العراقِ لمشاريعهم المستقبلية، ولم يُفكروا يوما في إصلاح ما هو ضروري لرفاهية الشعب العراقي، فمن هذا وغيره نستنتج إحجامَ أمريكا عما هو إصلاحيٌّ للعراق.
وكل ما أسلفناهُ هو شيءٌ مما تُضمره أمريكا للشعوب، ولعجالةِ ما طُلب مني من قبل الأخت د. باهرة الشيخلي، فإنّ ما خططتْ له دولةٌ كالولايات المتحدة الأمريكية من المستحيل أن تحتويه مقالةٌ، ولكنْ حاولنا أن نوجز رأينا في هذا الموضوع وفق النقاط التي ذكرناها أعلاه لكونها أساسيّة ومحوريّة.