مقال بقلم/ فالح الشبلي
يلتقط الخبراء والضليعون في السياسة عادةً دلائل وإشارات تُمثلُ عناوين أساسيةً لقضايا سياسيةٍ كبرى، يدركون من خلالها أبعادَ وتداعيات هذه القضايا، ويستشرفون بدايتها وانتهاءها، ويسبرون أغوار مضامينها، ويحللون أسبابها ونتائجها. ولكن مع الأسف قد ظُلِمنا بإعلامٍ مُسَيّرٍ، يستدرج الناس ويخدعهم، ويسلبهم أعزّ الأشياء من خلال تضليلهم وتوجيههم إلى ما يريد، فتجد الناس في وادٍ، وأهداف المحتلّ في وادٍ آخر، وبذلك يحقق المحتل غايته، ويصل إلى مبتغاه في أحايين كثيرة دون أن يجد ما يعيقه وينغّص عليه طريقه.
• اتفاق المعارضة العراقية:
تُتاح لي الفرصة بين حينٍ وآخر، وربما يوميًّا، للدردشة مع بعض قادة المعارضة العراقية، فنتناقش ونحلل قضايا الوطن الشائكة، بهدف الوصول إلى أسلم الطرق التي نستطيع بها تحقيق أهداف وتطلعات الشعب العراقي، فأستشعر عند البعض الهمة العالية والحماسة التي يحاول من خلالها الاطلاع على كلّ ما يتعلق بالشأن العراقي، ولكن لا شك أن الأفهام تتغير والأفكار تختلف من شخصٍ لآخر، من خلال قراءته لواقع الحال، أو من خلال قناعاته، فيصل بي الحوار مع بعض الإخوة إلى نتيجةٍ مفادها أن المعارضة العراقية تم اختراقها بمن يعمل ضدها، وهذا مفهومٌ معروفٌ لترسيخ الاحتلال وتثبيته، وبذا يتمكن المحتل من إدارة المعارضة وتسييرها على حسب أهوائه، وهنا لا بد من أن نقف ونفكر مليًّا، ولا نقول: إن الطريق قد أصبح مسدودًا بلا حل، ولكننا قد نجد صعوبةً في الوصول إلى الهدف الأسلم بالخروج بعراقنا من دائرة الاضطراب وعدم الاستقرار، إلى واحة الأمن والازدهار والإصلاح الشامل لهذا البلد المنهك.
وبالتأكيد؛ وكما ذكرت في أكثر من مناسبة، أن القرار والإرادة الأمريكية ينجحان الآن في إدارة العراق، وإن كان بالخفاء، وذلك لعدة أسباب؛ فقد زرعوا الخونة بمختلف أنواعهم، وأوجدوا القوة بمختلف مسمياتها، ولكن يبقى الأمر الأكثر تأثيرا من بين ما صنعوه هو كثرة وتعدد الأحزاب التي تتنافس على إرضاء المحتل وخدمته، فتجد هذا الأخير يوزع الأدوار المتناقضة على عملائه ومعينيه ممن ينوبون عنه، وبالتالي فلا بد علينا أن نعترف بأن الوصول إلى هدفنا الأسمى في تحقيق حرية وسيادة واستقرار العراق، دونه عقباتٌ كأداء، ومصاعبُ شتّى.
• الانسحاب الأمريكي:
أحيانا قد يُغني العنوان عن الشرح والتفسير، فقد تحملت الولايات المتحدة الأمريكية كل ما هو صعب لأجل احتلال العراق، بل ضحت بأغلى ما تملك لكي تسيطر على بلاد الرافدين وفق مخطط مدروس، ثم تُعدُّ مخططاتٍ جديدة متقنة، تضمن لنفسها البقاء في هذا البلد.
يساعدُ واشنطن على تنفيذ مخططاتها الأحزاب الكثيرة التي صنعتها والتي تعمل في العلن لصالح إيران، ولكن في جوهر حقيقتها الباطنة ما هي إلا أداةٌ من أدوات واشنطن، فبعد أن جعلوا المحتل هو المتصرف الأول في البلاد، جاؤوا ليقولوا له بكل برود: اُخرج، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: من الذي يجب أن يخرج؟ الأحزاب التي فرغت واشنطن من استعمالها وبدأت تتخلص منها بطرق ذكية مبتكرة ؟ أم واشنطن التي أوجدت وصنعت هؤلاء الأغبياء لخدمتها ؟
هل يعلم أولئك العملاء التعساء الخطط الأمريكية المجهزة للمرحلة القادمة، من تحصين القواعد العسكرية الأمريكية، والتفكير في إقامة قواعد جديدة تستوعب القاذفات الأمريكية الضخمة ( B ـ 52 ) ؟ وهل يعقل المجرمون الذين سفكوا دماء الشعب العراقي مثل هذه الخطوات والخطط، وكيف استخدمتهم أمريكا ؟ أم أن الكلام المجاني قد أوصلهم إلى حدّ الاضطراب والهذيان الذي لا ينطلي سوى على أتباعهم، الذين باعوا العراق بثمنٍ بخسٍ، وأقول لهم: هيهات أن تستجيب أمريكا لهذا الهراء.
المنطق يقتضي بأن نعترف بأن الشأن العراقيّ ليس كما يتوقعه البعض، فخطوات خلاص بلادنا من الاحتلال أيسرها صعبٌ، والذي لا يدرسها برويةٍ وتأنٍّ هالكٌ عند عتبات أفكاره الأولى.