وأما ما رواه البخاري عنه، فقد تعذر للبخاري الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح [1/415 ]، فقال: إنما روى له البخاري حديثاً واحداً في فضائل القرآن، من روايته عن بريد بن عبدالله بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبي موسى في قول النبي – صلى الله عليه وسلم ـ: (لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود )، وهذا الحديث قد رواه مسلم، من طريق آخر، عن أبي بردة، عن أبي موسى، فلم يخرج له إلا ما له أصل. والله أعلم.
وكذلك روى له الإمام مسلم في مقدمة صحيحه (1/52)، قلت: إن المقدمة ليست على شرط الصحيح، ولم يشترط فيها الإمام مسلم الصحة.
وأمّا الراوي إذا كان له الحديث الكثير، ولم يخرج له أحد من الشيخين، فاعلم أنهما لم يحتجا به، ولا أحدهما إلا مقروناً، وهو ضعيف الحديث عندهما، ولهذا قال الحافظ ابن حجر: وإنما علقه البخاري لأنه لم يحتج بشيخه سليمان بن المغيرة. [فتح الباري: 1/153 ]. وهذا بعد أن روى له حديثاً معلقاً في كتاب العلم، باب القراءة والعرض…
فرد عليه العيني في عمدة القاري [2/433 ]. فقال: كيف يقول لم يحتج به، وقد روى له حديثا واحدا، عن ابن أبي اياس، عن سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال…. وذكر الحديث.
فرد على رده الحافظ ابن حجر، فقال: هذا يؤيد قوله السابق: أنّه لم يحتج به، لأنه من المكثرين، وإذا لم يخرج عنه إلا حديثاً واحداً، له عنده أصل من حديث غيره ممن أكثر من تخريج حديثه كان في ذلك دلالة على أنه لم يخرج له إلا في الشواهد، والأمر فيه كذلك، لكن المعترض كأنه لا يفرق بين مطلق التخريج والاحتجاج. [انتقاض الاعتراض: 1/117 ].
وهذا ما دعاني إلى أن أقول في بحثي (الدراسات العليا): وقد استخلصنا من هذا أن مذهب بعض أهل العلم: أن كلّ من أدركه الإمامان البخاري ومسلم، ولم يرويا عنه يكون في حاله شك عندهم, حتى تتبين أهليته للأخذ عنه.
المصدر: حديث العجن